الأمام الغزالى أمام عصرنا
كان شيخ الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود يقدّره ويعرف له حقّه وفضله، ويقول
عنه: ليس لدينا إلّا غزالي الإحياء وغزالي الأحياء.
ويعني بالأوّل أبي حامد الغزالي مؤلّف إحياء علوم الدّين، والثّاني عالم العصر
الشيخ محمّد الغزالي رحمه الله.
وقال عنه الدكتور يوسف القرضاوي: قد تخالفه أو يخالفك في قضايا تصغر أو
تكبر وتقل أو تكثر، ولكنّك اذا عرفته حق المعرفة لاتستطيع إلّا أن تحبّه.
ومما يروى عنه أنّه قابل رجل تعوّد شرب الخمر فقال له: ألا تتوب إلى الله؟
يقول الشيخ محمّد الغزالي: فنظر إليّ بانكسار ودمعتْ عيناه وقال: ادْع الله لي..
تأمّلتُ في حال الرّجل، ورقّ قلبي له وأدركتُ أنّ بكاءه شعور بمدى تفريطه في
جنب
الله، وحزنه على عصيانه، ورغبته في الاصطلاح معه.. إنّه مؤمن يقيناً ولكنّه
مُبتلَى، وهو يُنشد العافية
ويستعين بي على تقريبها.. حينها قلت لنفسي: قد تكون حالي مثل حال هذا الرّجل
أو أسوأ!.. صحيح أنّني لم أذق الخمر قط، لأنّ البيئة التي عشتُ فيها لا تعرفها،
لكنّي ربّما تعاطيتُ من خمر الغفلة ما جعلني أغفل عن ربّي كثيراً وأنسى حقوقه..
إنّه يبكي لتقصيره وأنا وأمثالي لا نبكي على تقصيرنا، قد نكون بأنفسنا مخدوعين،
ثم أقبلتُ على الرّجل الذي يطلب منّي الدّعاء ليترك الخمر، فقلتُ له: تعال ندع
لأنفسنا معاً:" ربّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من
الخاسرين".صدق الله العظيم.
متى يتأسّى دعاتُنا اليوم بمثل هذه المناقب العظيمة لداعية عصري لم يتوقّف في
نهجه على إدانة الواقع كتجربة فاشلة من تجارب الأمّة الكثيرة، بل تعدّاها إلى
المنظومة الثقافية والنّظريات الفكرية التي يراها تحتاج هي الأخرى إلى تنقية
شاملة
على أيدي دعاة ليسوا من الأنماط التقليدية، ويرى أنّ الفقه الإسلامي ينبغي
أن يكون "فقه دعوة"، أي لا بد للأحكام من أن تؤخذ في إطار نشر الإسلام وبسط
نفوذه الفكري والسياسي، وألّا تستخدم بعض الفتاوى الجزئية في التنفير من قبول
الإسلام كدين وكنظام للحياة.
إنّ وحدة الأمّة الإسلامية فكراً وعقيدة هي حدّ لا يمكن تجاوزه، ولا ينبغي أن يكون
الخلاف في الفروع والجزئيّات سبباً إلى هدم وتقويض ما شيّدته الأصول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق