" أبو محجن " ـ رضي الله عنه(شارب الخمر ) والقادسية
المسلمين قد ابتلى بشرب الخمر وطالما عوقب عليها ويعود ويعاقب ويعود ، بل
فكان يجاء به فيجلد ، ثم يجاء به فيجلد ، ولكنه كان يعلم أن هذا لا يعفيه من العمل لدينه أو القيام بنصرته ، فإذا به يخرج
مع المسلمين إلى القادسية جنديا يبحث عن الشهادة في المعارك ، وفي القادسية
يجاء به إلى أمير الجيش سعد بن أبي وقاص وقد شرب الخمر، فيحبسه سعد حتى
تدق طبول المعركة ؟!.

وقد حبسه " سعد " ـ رضي الله عنه ـ عند " زبراء " أم ولد " سعد " ـ رضي الله عنه ـ ، فلما سمع " أبو محجن " ـ رضي الله عنه ـ صهيل الخيل ، وقعقعة
السيوف
وكان الحبس عقوبة قاسية آلمت أبا محجن أشد الألم عندما سمع ضرب السيوف ووقع الرماح وصهيل الخيل وعلم أن سوق الجهاد قد قامت ، وأبواب الجنة قد فتحتجاشت نفسه وهاجت أشواقه إلى الجهاد
فنادى امرأة سعد بن أبي وقاص قائلا : خليني فلله علي، إن سَلِمْتُ أن أجيء حتى أضـع رجلي في القيد، وإن قُتِلتُ استرحتم مني .
وكان مما قال ـ رضي الله عنه :
سُلَيْمى دعيني أروِ سيفي من العدا | | فسيفيَ أضحى وَيْحَهُ اليومَ صاديا |
دعيني أَجُلْ في ساحةِ الحربِ جَوْلَةً | | تُفَرِّجُ من همّي وتشفي فؤاديا |
وللهِ عهدٌ لا أَحيفُ بعهده | | لئن فُرِّجت أَنْ لا أزورَ الحوانيا
|
أطلقته " زبراء " وحملته على فرس لـ " سعد " يقال له " البلقاء " ، وخلَّت سبيله ، فجعل ـ رضي الله عنه ـ يشد العدو شدًا ، و " سعد " ـ رضي الله عنه ـ ينظر إليه ويقول الضرب ضرب " أبي محجن " والكر كر " البلقاء " ، وابو محجن فى القيد
فلما أن فرغوا من القتال ، وهزم الله جموع الفرس.
كان سعد بن أبى وقاص يتابع المعركة وهو نائم على بطنه من مكان مرتفع ,فقد
ألمت به قروح في فخذيه وإليته ,فلم ينزل ساحة القتال , لكنه كان يرقب القتال من بعيد
رجع " أبو محجن " إلى " زبراء " وفاء بوعده بعد أن أرضى ربه بقتال عدو الله فأدخل رجله في قيده ، فلما نزل " سعد " ـ رضي الله عنه ـ من رأس الحصن رأى فرسه تعرق ، فعرف أنها قد ركبت ، فسأل عن ذلك " زبراء " فأخبرته خبر " أبي محجن " فأخلى سبيله .
فأكبر سعد - رضي الله عنه - هذه النفس ، وهذه الغيرة على الدين ، وهذه الأشواق للجهاد وقام بنفسه إلى هذا الشارب الخمر يحل قيوده بيديه الطيبتين ويقول :
" قم فوالله لا أجلدك في الخمر أبدا ، وأبو محجن يقول : وأنا والله لا أشربها أبداً "
إن " أبا محجن " ـ رضي الله عنه ـ وقع في ذنبه هذا ، لكنه لم يلبث أن ندم على
فعله ، ولقد تحرك الإيمان في قلبه ، حتى بدت الحسرة عليه وهو مقيد في وقت
يحتاج فيه الإسلام إلى نصرته ، ولست أدري من أي المواقف نعجب ؟!

من حرقة " أبي محجن " على الإسلام ، أم من صدقه ووفائه بعهده ووعده مع "
زبراء " ؟ ، أم من إخلاص الرجل ورضائه بأن يكون في القيد بعد قتاله ، ولا يعلن
عن موقفه حتى علم به " سعد " ـ رضي الله عنه ـ
وإن هذه لدلالة رائعة على أن كل إنسان مطالب بنصرة هذا الدين ، وأن صاحب
المعصية لا تعفيه معصيته من نصرة دين الله جل وعلا .
وأخيرًا فإن يوم " القادسية " يوم من أيام الله ، ومعركة فاصلة من معارك الإسلام
، نسأل الله أن يعيد لنا هذه الأيام ، وتلك المعارك ليعود للإسلام عزه …
اللهم آمين
. إنظر : الإصابة في تمييز الصحابة 4/173-174 ، والبداية والنهاية 9/632-633 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق