جمال الدين الأفغانى رائد ثورات التنوير فى العالم الأسلامى
يوليو 4, 2025
/
/ / جمال الدين الأفغانى رائد ثورات التنوير فى العالم الأسلامى

جمال الدين الأفغانى رائد ثورات التنوير فى العالم الأسلامى

جمال الدين الأفغاني
(إنني كصقر محلق يرى فضاء هذا العالم الفسيح ضيقًا لطيرانه!! وإنني لأتعجب منكم، إذ تريدون أن تحبسوني في هذا القفص الصغير).

في قرية (أسعد آباد) إحدى القرى التابعة لكابل عاصمة (أفغانستان) حاليًا، ولد (محمد جمال الدين بن السيد صَفْدَر)

سنة 1254هـ/1838م، وينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعرف بجمال الدين الأفغاني نسبة إلى بلده (أفغانستان).

                             

انتقل مع والده الذي كان يعمل مدرسًا في (كابل) وهو في الثامنة من عمره، فلفت أنظار من حوله بذكائه الشديد، مما جعل والده يحفزه إلى التعلم قائلاً له: (لقد آن لك أن تتعلم يا جمال).

وأسرع جمال الدين يتلقى العلم في منزله حتى بلغ سن العاشرة، فحفظ القرآن الكريم، وعكف على دراسة اللغة العربية، وظهر حبه الشديد للمناقشة في المسائل الدينية، وقرأ في اللغة والأدب والتاريخ والتصوف والشريعة، كما برزت هوايته للرحلات والأسفار.

وفي سنة 1264هـ/1848م ألحقه والده بمدرسة (قزوين) التي كان يعمل بها، ومكث بها عامين، وفي تلك الفترة ظهر اهتمامه الكبير بدراسة العلوم، فكان يصعد إلى سطح المنزل يتأمل النجوم ويحاول دراستها!! وعندما انتشر مرض الطاعون بقزوين، حاول دراسة أجساد الموتى، رغبة منه في الوصول إلى أسرار المرض وأسبابه، فخاف والده عليه، فانتقل به إلى طهران أوائل سنة 1266هـ/1849م.

وفي طهران سأل جمال الدين عن أكبر علمائها في ذلك الوقت، فقيل له: إنه (أقاسيد صادق) فتوجه مباشرة إلى مجلسه، فوجده جالسًا بين طلابه يقرأ كتابًا عربيًّا، ويشرح إحدى المسائل العلمية، ولاحظ جمال الدين أنه قد شرحها شرحًا موجزًا، 

                                       

فطلب منه أن يعيد شرحها بصورة أكثر تفصيلاً حتى يتفهمها الجميع، فتعجب الشيخ من جرأته وفضوله، ولكن جمال الدين أجابه بأن طلب العلم لا فضول فيه، ثم قرأ جمال الدين المسألة وفسرها، فتحرك الشيخ من مكانه، وأقبل عليه وضمه إلى صدره 

وقبله، ثم أرسل إلى والده يستدعيه، وأمره أن يشتري لجمال عباءة وعمامة، ثم قام الشيخ بلف العمامة ووضعها بيده فوق رأس جمال الدين تكريمًا له، واعتزازًا بعلمه.

ثم ترك جمال الدين طهران، وسافر مع والده إلى النجف بالعراق في نفس العام، ومكث فيها أربع سنوات درس فيها العلوم الإسلامية وغيرها، فدرس التفسير والحديث والفلسفة والمنطق وعلم الكلام وأصول الفقه والرياضة والطب والتشريح والنجوم .. وغير ذلك من العلوم.
                              
وفي الثامنة عشرة من عمره، سافر إلى الهند، ومكث بها سنة وبضعة أشهر درس خلالها العلوم الرياضية، ثم سافر إلى مكة المكرمة سنة 1273هـ/ 1857م، فأدى فريضة الحج، ثم عاد إلى بلده أفغانستان مرة أخرى، وعمل بالحكومة، وكان عمره حينئذ 27 عامًا ووصل إلى درجة كبير الوزراء في عهد الملك (محمد أعظم) الذي نال تأييد الأفغاني، ولكن الملك (محمد أعظم) خُلع، وتولى أخوه
(شير علي).

ونظر جمال الدين في أمر نفسه فوجد أن الأفضل له أن يغادر البلاد وبالفعل سافر إلى الهند، وكان ذلك سنة 1285هـ/1868م، وفي الهند استقبله الناس استقبالا حسنًا، لكن الحكومة الهندية خافت من وجوده، فطلبت منه ألا يقيم في الهند طويلاً، ولا يجتمع بالعلماء وأفراد الشعب، حتى لا يشعل نار الثورة، وأجبروه على ترك الهند 

وقبل أن يغادرها قال لأهلها: (يا أهل الهند، لو كنتم وأنتم مئات الملايين من الهنود وقد مسخكم الله فجعل كلا منكم سلحفاة، وخضتم البحر، وأحطتم بجزيرة بريطانيا العظمي لجررتموها إلى القعر وعدتم إلى الهند أحرارًا) فلما انتهى من كلامه تساقطت دموع الحاضرين، فصاح فيهم بصوت عال صيحة قال فيها:

(اعلموا أن البكاء للنساء، لا حياة لقوم لا يستقبلون الموت في سبيل الاستقلال بثغر باسم).

وبعد إقامة لم تزد عن شهر واحد،توجه بعدها إلى مصر سنة 1869م فأقام فيها مدة قصيرة لا تزيد عن أربعين يومًا، تردد خلالها على الأزهر منارة العلم، وجاءه الكثيرون يطلبون علمه، واشتهر (جمال الدين) وأصبحت له مكانة عالية بين العلماء جعلت السلطان العثماني (عبد العزيز) يدعوه إلى زيارة (الدولة العثمانية) فأجاب جمال الدعوة، وسافر إلى (استنبول) فرحب به السلطان خير ترحيب، وأكرمه رجال الدولة من العلماء والأدباء والأعيان.

ولم تمضِ ستة شهور حتى عينه السلطان عضوًا في مجلس المعارف، لكن أعداءه شنعوا عليه، مما جعله يغادر البلاد متوجهًا إلى مصر مرة أخرى، وكان ذلك سنة 1286هـ/1871م، أي في زمن الخديوي إسماعيل، وفي مصر رأى ظلم الحكام 

وجورهم، ووجد نظام الحكم نظامًا استبداديًّا لا تنفذ فيه إلا إرادة الحاكم، كما وجد الخرافات منتشرة في أماكن كثيرة من أرض مصر، فتذكر العهد الذي أخذه على نفسه، فأخذ يدعو الناس إلى الإسلام الصحيح، ويبصرهم بحقوقهم وواجباتهم، مبينًا لهم أن الشعب مصدر القوة، فقال لهم:

(هبوا من غفلتكم، اصحوا من سكرتكم، انفضوا عنكم الغباوة وشقوا صدور المستبدين لكم كما تشقون أرضكم بمحاريثكم، عيشوا كباقي الأمم أحرارًا سعداء، وموتوا مأجورين شهداء).

                                  

وعندما وجد الفلاحين المصريين يُضربون بالكرباج، والضرائب تفرض عليهم بما لا يقدرون عليه قال: (أنت أيها الفلاح.. يامن تشق الأرض لتستنبت فيها ما تسد به الرمق.. لماذا لا تشق قلب ظالمك؟! لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك؟!).

وفي مصر، تآمر عليه أعداؤه من الإنجليز وبعض الجاحدين في الفكر فلم يتركوه يسير في طريق الإصلاح،لم يكن جمال الدين الأفغاني مناصراً لإسماعيل، بل كان


 ينقم منه استبداده وإسرافه، وتمكينه الدول الاستعمارية من مرافق البلاد وحقوقها، وكان يتوسم الخير في توفيق، إذ رآه وهو ولي للعهد ميالاً إلي الشورى، ينتقد 

سياسة أبيه وإسرافه، وقد اجتمعا في محفل الماسونية (والتي لم تكن تبدو كمنظمة سيئة في ذلك الوقت، وتعاهدا على إقامة دعائم الشورى.


لكن توفيق لم يف بعهده بعد أن تولى الحكم، فقد بدا عليه الانحراف عن الشورى واستمع لوشايات رسل الاستعمار الأوربي، وفي مقدمتهم قنصل إنجلترا العام 

في مصر، إذ كانوا ينقمون من السيد روح الثورة والدعوة إلي الحرية والدستور، فغيروا عليه قلب الخديوي، وأوعزوا إليه بإخراجه من مصر، فأصدر أمره بنفيه 

وكان ذلك بقرار من مجلس النظار منعقداً برآسة الخديوي، وكان نفيه غاية في القسوة والغدر، إذ قبض عليه فجر الأحد الخامس من رمضان سنة 1296 هـ / 24 أغسطس 1879م، وهو ذاهب إلي بيته هو وخادمه الأمين (أبو تراب)، وحجز في 
الضبطية، ولم يمكن حتى من أخذ ثيابه، وحمل في الصباح في عربة مقفلة إلي محطة السكة الحديدية، ومنها نقل تحت المراقبة إلى السويس، وانزل منها إلى 
باخرة اقلته إلى الهند، وسارت به إلي بومباي، ولم تتورع الحكومة عن نشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ 8 رمضان سنة 1296 (26 أغسطس 

سنة 1879م) ذكرت فيه نفي الأفغاني بعبارات جارحة ملؤها الكذب والأفتراء، مما لا يجدر بحكومة تشعر بشيء من الكرامة والحياء أن تسف إليه، فهي قد نسبت إليه
 السعي في الأرض بالفساد، ويعلم الله أنه لم يكن يسعى إلا إلى يقظة الأمة، وتحريرها من ربقة الذل والعبودية، وذكرت عنه أنه "رئيس جمعية سرية من
 الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا"، وحذرت الناس من الاتصال بهذه الجمعية، ومن المؤلم حقاً أن يتقرر النفي ويصدر مثل هذا البلاغ من حكومة

يرأسها الخديوي توفيق باشا وهو على ما تعلم من سابق تقديره للأفغاني، ومن 
وزرائها محمود باشا سامي البارودي ناظر الأوقاف وقتئذ، وقد كان من اصدق
 مريديه وانصاره، فتأمل كيف يتنكر الأنصار والأصدقاء لأستاذهم، وإلى أي حد 
يضيع الوفاء بين الناس !!، ولا ندري كيف أساغ البارودي نفي السيد جمال الدين 
واشترك في احتماله تبعته، وإذا لم يكن موافقاً على هذا العمل المنكر فَلِمَ لم يستقيل 
من الوزارة احتجاجاً واستنكاراً ؟ لا شك أن موقف البارودي في هذه الحادثة لا 
يمكن تسويغه أو الدفاع عنه بأي حال.
                          

نفي جمال الدين من مصر، على أن روحه ومبادئه وتعاليمه تركت أثرها في المجتمع المصري وبقيت النفوس ثائرة تتطلع إلي نظام الحكم، وإقامته على دعائم الحرية 
والشورى فجمال الدين هو من الوجهة الروحية والفكرية أبو الثورة العرابية، وكثير من أقطابها هم من تلاميذه أو مريديه، والثورة في ذاتها هي استمرار للحركة
 السياسية التي كان لجمال الدين الفضل الكبير في ظهورها على عهد إسماعيل، ولو
 بقي في مصر حين نشوب الثورة لكان جائزاً أن يمدها بآرائه الحكيمة، وتجاربه
 الرشيدة، فلا يغلب عليها الخطل والشطط، ولكن شاءت الأقدار، والدسائس 
الإنجليزية، أن ينفى الأفغاني من مصر، وهي أحوج ما تكون إلى الانتفاع بحكمته وصدق نظره في الأمور.

أقام الأفغاني بحيدر أباد الدكن، وهناك كتب رسالته في الرد على الدهريين، وألزمته الحكومة البريطانية بالبقاء في الهند حتى انقضى أمر الثورة العرابية.

وبقي في الهند ثلاث سنوات، ثم تركها إلى أوربا، فزار لندن، ثم انتقل إلى باريس، 

ومن هناك استدعى تلميذه (محمد عبده) ليحضر إليه، فأصدرا معًا جريدة (العروة

 الوثقى) التي كانت تدعو المسلمين إلى الوحدة الإسلامية، حتى إنه قام بتأسيس جبهة إسلامية عالمية أطلق عليها (أم القرى) كما نشر (جمال الدين الأفغاني) أفكاره 

السياسية التي كان يحارب فيها تدخل الدول الغربية في شئون الأمم الإسلامية.

وظل جمال الدين ينتقل في أوربا بين باريس ولندن، ويتصل بالعلماء والكتاب ورجال السياسية، إلى أن دعاه الشاه (ناصر الدين) إلى إيران فسافر إليها في 16 شعبان سنة 1303هـ (20 مايو سنة 1886م) واستقبله الشاه في حفاوة بالغة، وجعله مستشاره 

الخاص في إصلاح شئون بلاده، والتف حوله الإيرانيون لأنهم وجدوا لديه علمًا غزيرًا وإلمامًا بشئون السياسة والحياة والعلوم الحديثة، فبلغ مكانة عالية مما جعل الشاه 

خاف من التفاف الناس حوله، وأحس (جمال الدين) بذلك فاستأذنه في السفر، فغادر إيران إلى روسيا ومكث بها أربع سنوات، والتقي بالقيصر الذي لم يسترح للقاء هذا المصلح الذي يهاجم الأباطرة والملوك، فطلب من حاشيته إبعاده من روسيا.

ترك جمال الدين روسيا وأخذ يتجول في أوربا ، فزار باريس ثم توجه إلى (ميونيخ) حيث التقى بالشاه ناصر الدين الذي طلب منه العودة إلى إيران، فعاد برفقته في سنة 1305هـ/1889م ليواصل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولكن الشاه عاد فغضب عليه وطرده شر طردة.

وفي سنة 1308هـ/1892م ذهب (جمال الدين الأفغاني) إلى لندن مرة أخرى، وفي أثناء وجوده هناك أخذ يهاجم الشاه والاستبداد، فأرسل إليه السلطان (عبد الحميد) في الحضور إلى الأستانة، فقبل وسافر إليها حوالي سنة 1309هـ/1893م، فأكرمه السلطان، ثم ما لبث أن ساءت العلاقات بينهما بفعل الواشين.

لقد وهب جمال الدين الأفغاني نفسه وحياته في سبيل إيقاظ العالم الإسلامي، وتوحيد كلمة الإسلام والمسلمين، وإزالة الفوارق بينهم، وكان أول مسلم شعر بخطر السيطرة الغربية المنتشرة في الشرق الإسلامي، وما سينزل ببلاد المسلمين من المصائب


                              

 إذا استمروا خاضعين للدول الاستعمارية، فكان لا يمل من الكلام عما ينير العقل، ويطهر العقيدة، ويبصر الناس بمالهم من حقوق وما عليهم من واجبات، ومن أجل ذلك قال كلمته المشهورة: (الشرق .. الشرق.. لقد خصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه).

ومن مؤلفاته: (تتمة البيان في تاريخ الأفغان)، و(الرد على الدهريين) و(القضاء والقدر).. وغير ذلك، مرض جمال الدين وهو في الأستانة وظهر في فمه مرض 


السرطان ، فأُجرِيَت له عملية جراحية ، لكنها لم تنجح ، ثم ما لبث إلا أيامًا حتى 

فاضت روحه في صبيحة يوم الثلاثاء 9 من مارس سنة 1897م، وظل قبره هناك في 

تركيا إلى أن نُقِلَ رفاته إلى أفغانستان سنة 1944م.

عن الكاتب :

شاب مغربي أحب كل جديد في عالم الانترنت من مواقع وبرامج واحب التدوين ودائما ابحث عن الجديد لتطوير مهاراتي في مختلف الميادين التي تعجبني لكي انقل معرفتي وتجاربي لآخرين حتى يستفيدوا بقدر ما استفدت انا ;)
الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علاقات زوجية

أخبار المشاهير

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أصدقاء الموقع