هناء أحمد: مايو 2014
/

الصمت المريب للأزواج




                                                                                             بصائر نفسية إسلامية

  الصمت المريب  للأزواج :         بقلم الدكتور محمد كمال الشريف
                                                                                              استشاري الطب النفسي
                                                                                         بمستشفى الصحة النفسية بنجران


لماذا يصمت الأزواج عندما تقابلهم مشكلة ؟ولماذا لايبوح بها لزوجته أقرب الناس اليه ولماذا تغضب الزوجة من صمت زوجها وتعتبر تصرفه هذا عدم حب لها وعدم تقدير؟

صمت الزوج  وإفضاء الزوجة :-
 
ما أكثر ما تشتكي الزّوجات من صمت الأزواج.... وعندما يعود الزّوج إلى بيته والهمّ بادٍ على وجهه، فتسأله زوجته عمّا يشغل باله؟ فيجيبها أن لا شيء تتألّم هذه الزّوجة وتشعر أنّ زوجها يعاملها كالغريبة، فلا يبوح لها بسرّه ولا يشتكي لها همّه...


 
                                   
بينما الزوجة (المرأة )عندما تمر بمشكلة أو مايزعجها   أو شغلتها الهموم فسوف تختار أقرب النّاس إليها لتحدّثهم عمّا ضايقها وتخبرهم عن همومها.... وإنّ حديثها عمّا يشغل بالها وإفضاءها بذلك لشخص معيّن دليل على مكانة هذا الشّخص في نفسها وقربه منها.

 لذلك فإنّها ترى كتمان زوجها لهمومه عنها دليلاً على أنّه لا يعتبرها قريبة منه، ولا يراها جديرة بأن يأتمنها على أسراره.... ولكن الحقيقة غير ذلك.

 الحقيقة هيَ أنّ الرِّجال يختلفون عن النّساء.... الرّجل مفطور منذ طفولته على الاستقلاليّة، ويرى الشّكوى للآخرين ضعفاً، لذلك يميل أغلب الرّجال إلى الصمت وعدم الحديث عمّا يشغل بالهم من هموم، إنّهم يحاولون التّغلّب على مشكلاتهم بأنفسهم، والرّجال عموماً إذا تحدّث أحدهم عن مشكلة تواجهه فهو لا يقصد مجرّد الحديث ليرتاح، بل إذا تحدّث عن مشكلته فهو بحديثه يطلب المعونة ممّن يتحدّث 
   إليه

                                    

بينما المرأة عموماً تريد أن تتحدّث عن مشكلاتها لشخص حميم بالنّسبة لها يتعاطف معها ويستمع إليها ويصبّرها بكلمة طيّبة... إنّها إن أرادت المساعدة طلبتها بصراحة، أمّا طالما لم تطلبها صراحة فإنّها تريد أذناً صاغية متعاطفة لا أكثر، إنّها تفكِّر بمشكلاتها بصوت مرتفع مع شخص تحبّه وتثق به، بينما الرّجل يميل إلى التّفكير بمشكلاته بصمتٍ وبمفرده....

وهذا يعني أنّ على المرأة أن لا تلحّ على زوجها كي يحدّثها عن همومه لأنّ ذلك يضايقه، ولتعلم أنّ صمته وتكتّمه ليس دليلاً على أنّه يعتبرها غريبة عنه، بل هو دليل على رجولته القائمة على القوّة والاستقلاليّة...


 وبالمقابل على الرّجل إن حدّثته زوجته عمّا واجهته من مشكلات في عملها أو في بيتها أن يستمع إليها استماع المتعاطف، وأن يمنع نفسه من اقتراح الحلول لمشكلاتها لأنّها لا تريد منه أن يحلّ لها مشكلاتها، إنّما تريد منه أن يصغي إليها لتُخرِج ما في صدرها وتنفّس عن نفسها لترتاح.

 وستكون له ممتنّة إن هو اكتفى بالإصغاء إليها دون التّطوّع لحلّ مشكلاتها، لأنّ طبيعة الأنثى تختلف عن طبيعة الذّكر، وإدراك الزّوجين لأوجه الاختلاف هذه يجعل حياتهما الزّوجيّة سعيدة هانئة.

إقرئ المزيد Résuméabuiyad

الحب والأعجاب


 


 بقلم الدكتور محمد كمال الشريف
استشاري الطب النفسي
في مستشفى الصحة النفسية بنجران في السعودية




  الحب من الإعجاب إلى الامتنان

    كيف يبدأ الحب ؟ للحبّ عموماً وللحب الزّوجي خاصة داعيان يجعلنا كل منهما نحب شخصاً آخر هما الإعجاب والامتنان. 

                                 

يولد الإعجاب في نفوسنا عندما نرى إنساناً آخر تجسدت فيه الصفات الرائعة التي نحلم بها لأنفسنا ولها عندنا قيمة عالية، فنراها في شخص آخر ونشعر بشعور رائع هو الإعجاب به وترتفع قيمته في نظرنا لما نرى فيه من صفات الكمال البشري كما نتصورها. 

 إن كانت أنثى وفيها ملامح أو صفات نشأنا منذ الصغر ونحن نسمع من آبائنا وأمهاتنا أن من تكون فيه يكون جميلاً ومن يفتقدها يكون قليل الجمال، والإنسان مخلوق على صورة الرحمن يحب الجمال كخالقه ويعلي من قيمته لمجرد جماله. 

وعندما يكون الإعجاب بين الجنسين أي أعجب رجل بامرأة أو أعجبت امرأة برجل فإن هرمونات الذكورة والأنوثة والشوق الجنسي يقوم بشحن هذا الإعجاب بطاقة وجدانية قوية تجعلنا نرى الذي أعجبنا به كائناً مثالياً ليس له بين الرجال أو النساء مثيل، فإن كان لدينا ولو قليل أمل أنه يمكننا أن نحصل عليه بالزواج تقرر نفوسنا في أعماقها حيث الإرادة الحرة لكن الشعور غائب، فنتخذ قراراً بأن نحب هذا الذي أعجبنا، ونبدأ نحلم بالسعادة بقربه.
                                                   

 ونعتقد أنه  لا سعادة لنا إلا معه، فننجذب إليه بشدة ونسعى للقائه أو رؤيته أو سماع صوته، ويملىء علينا أغلب وعينا، ويصير شغلنا الشاغل وهمنا الأكبر صورته لا تفارق خيالنا، وصوته المحبب صداه يتردد دائماً في أسماعنا، لقد أعجبنا بصوته الناعم أو القوي الواثق، وأعجبنا بملامح وجهه أو وجهها، فنرى كل شيء فيه بمنظار الصفات التي أعجبتنا فيه وهي صفات نعتبرها رائعة فتبدو لنا كل صفاته رائعة ولا نتخيل أن يكون فيه أي عيب أو صفة كريهة

 وحتى إن رأينا ما هو عيب في الخلق أو الخلق أسرعنا إلى التماس العذر له وإلى التخلص من هذه اللطخة من على صورته في نفوسنا ويعود المحبوب كامل الأوصاف مهما كانت عيوبه، إننا نخدع أنفسنا لكننا نسعد بهذا الخداع، فالحياة الآن أحلى وأجمل طالما عثرنا على فتاة الأحلام أو فارس الأحلام الذي نظن أنه لن يغنينا عنه أو عنها أي بديل، فليس في النساء أجمل منها وليس في الرجال أروع منه.
                                                      

 علماء النفس المعاصرون يصفون هذا الحب القائم على الإعجاب بصفات المحبوب والعجز عن رؤية عيوبه بأنه ليس هو الحب الحقيقي بل هو الوقوع في الحب الذي سيؤدي إن سارت الأمور على ما يرام إلى الحب الحقيقي عندما نحب محبوبنا مع أن غشاوة العشق قد زالت من على عيوننا وصرنا عيوبه كما نرى كمالاته. عندها يكون الحب عميق الجذور في نفوسنا وقادراً على الصمود أمام عواصف الحياة ويبقى حياً مهما تقدم بنا العمر وتغضنت وجوهنا ولم يبق فينا ما يثير رغبة أو شهوة.
                                                            


الإعجاب وليس الحب هو الّذي يكون من أوّل نظرة، ومنه يتولّد الحبّ الرّومانسي، ذلك النّوع من الحبّ الجميل، الّذي نرى فيه المحبوب كائناً مثاليّاً لا عيب فيه، فنعتقد الكمال فيه حسب عبارة ابن القيم رحمه الله، ونرى فيه كل الصّفات الّتي تعجبنا، ونتغاضى، بل نتعامى عن عيوبه، نراه كما نريده أن يكون، لا كما هو في الحقيقة... نعجب به ونعتقد أنّ سعادتنا ستكون بقربه، وبقربه هو لا غيره... فنسعى إلى قربه ونيل ودّه... فإن بادلنا هوىً بهوىً، وحبّاً بحبّ.. 

أخذ المحبّ يحدّث المحبوب عن نفسه ويفضي إليه بأسراره ومكنوناته، وحرص المحبّان على قضاء الأوقات الطّويلة سويّة... إنّهما في حاجة إلى هذا الانجذاب الشّديد الّذي يكون في الشّهور الأولى من الزّواج، شهورِ العسل كما يسمونها... إنّها شهور التّعارف بين رجلٍ وامرأة لم يكن أحدهما يعرف عن الآخر شيئاً... 

                                                                                                               
علماء النّفس لا يثقون كثيراً بهذا الحبّ الرّومانسي لأنه قائم قائم على الوهم، حيث الاعتقادُ أنّ المحبوب كامل الأوصاف، بينما ليس هنالك في الحقيقة أحد لا عيب فيه، وعلى الوهم أيضاً حيث الظنُّ أنّ السّعادة لن تكون إلّا بقرب هذا المحبوب بالذّات، بينما في الحقيقة يمكن أن يغني محبوبٌ عن آخر... صحيح أنّ الحبّ الرّومانسي حبّ يقوم على الأوهام، لكنّه حبّ يتيح للزّوجين فرصة للتّعارف العميق يقوم كلّ منهما خلالها بإسعاد الآخر.

 حيث يشعرها زوجها بأنوثتها وهي بقربه، وتشعره هي برجولته وهو بقربها، ويلمس كلّ منهما حرص الآخر عليه، واحترامه له ولمشاعره، وتقديره له وغلاءه عنده، فيمتلئ قلبه امتناناً له، ويتعلّق كلّ منهما بالآخر ويربطهما حبّ جديد هادئ يدوم طيلة العمر يسميه علماء النّفس " حبّ الصّحبة " ، ويرونه الحبّ الحقيقي
  لأنّ الإنسان فيه يحبّ محبوبه كما هو بعيوبه


                           

 الشّهور الأولى بعد الزّواج تزيل الوهم، وتجعل كلاً من الحبيبين يرى الآخر كما هو، بشراً لا يخلو من النّقص والعيوب، فيقلّ الإعجاب، وينقضي الانبهار، ويحلّ الامتنان محلّ الإعجاب الّذي فُقِدَ،

 فيكوّن الامتنان مع ما تبقّى من إعجاب أساساً قويّاً لحبٍّ رائع يدوم، وإن كانت حرارته أقلّ، وانفعالاته أهدأ... ويتحوّل الحبّ الرّومانسيّ إلى ذكرى جميلة، كلّما مرّ الزّوجان بخلاف تذكراها، فانفتح لهم الأمل في أن تعود حياتهما الزّوجيّة سعيدة من جديد، فلا يغلبهما اليأس، بل يعملان على الإصلاح، وعودة الوئام والصّفاء....
إقرئ المزيد Résuméabuiyad

حكمة الخالق من القلق النفسى



                                                                      بقلم الدكتور محمد كمال الشريف
                                          استشاري الطب النفسي
                               بمستشفى الصحة النفسية بنجران بالسعودي





                                                    

حكمة الخالق في القلق النفسي

ما أكثر ما نسمع أن القلق النفسي مرض العصر! وما أكثر ما نسمع الشكوى من هذا الإحساس الكريه إلى النفوس: القلق!.


ومن منا لا يحلم بحياة لا قلق فيها، حياة تملؤها الطمأنينة، والسكينة، والسلام النفسي؟!.
إن حياة كهذه ستكون بالتأكيد نعمة كبرى، ونعيماً رائعاً، تعيش النفس فيه متمتعة بوجود مريح لذيذ.





                            



والقلق النفسي الذي يسميه القرآن الكريم "الحَزَن"، سيريحنا الله منه في الجنة... 



يقول تعالى: {جنت عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ( 33) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن إن ربنا لغفور شكور 


( 34) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب}. "فاطر: 33 - 35".

وقد يثور في النفس سؤال: ما الحكمة التي من أجلها خلق الله فينا القابلية للحَزَن، أي: القلق النفسي بمصطلح هذا العصر؟ 


أمن أجل أن يجعل حياتنا في الدنيا صعبة، فنتشوق إلى الجنة، حيث لا قلق، ولا معاناة نفسية؟ أم لحكمة أخرى فيها خيرنا ونفعنا؟.

وحتى نتبين بعض الحكمة في خلق الله للقلق النفسي في هذه الدنيا، لا بد لنا من

  التفكر في حالة مقابلة، وهي الألم الجسدي، ذلك الشعور البغيض المزعج الذي لا نصبر عليه إلا إن عجزنا عن إزالته بأي وسيلة، والذي نتمنى دائماً ألا نعاني منه أبداً ما حيينا.

                


ففي حالات نادرة جداً يولد أطفال طبيعيون في كل شيء، إلا أنهم لا يعرفون الألم الجسدي على الإطلاق، ولا يحسون به أبداً... وللوهلة الأولى قد يغبطهم المرء، وبخاصة الذي جرب الآلام المبرحة، وقد يظنهم في نعيم... لكن الحقيقة غير ذلك... فالألم الجسدي لا تستقيم الحياة من دونه، إذ الألم رسالة تصل من أجزاء جسمنا إلى الدماغ، حيث الوعي، والإدراك، واتخاذ القرار.

 
تصل الرسالة لتقول: إن هنالك خطراً ما يتهدد عضواً، أو جزءاً من الجسد.

وهي رسالة ملحة يصعب تجاهلها، والتغافل عنها، وبطبيعتها المزعجة للنفس تدفع الإنسان إلى حماية نفسه، وعلاج ما أصابه من أضرار بدنية.

أما الأطفال الفاقدون للألم، فإنهم في خطر دائم، إذ قد يحترق جزء من جسمهم وهم غافلون لا يشعرون، وقد ينكسر عظم من عظامهم فلا ينتبهون له فيعالجوه... وغير ذلك كثير مما يرينا أن في الألم الجسدي نعمة، وأنه لولا الألم الجسدي ما تمتع الإنسان بالصحة والعافية.


                                                      

لكن الألم الجسدي لا يؤدي دوره إلا بعد أن تحدث الإصابة، أما القلق النفسي وما يتضمنه من إحساس بالخطر وتوقع له، فيدفع الإنسان ليحتاط للأمور قبل حدوثها، إنه يلح، ويحث النفس على أن تعمل، وتسعى، وتبذل الجهد من أجل تأمين المستقبل، وحماية النفس من أية أخطار محتملة...


فالإنسان يفعل الكثير في حياته حتى يستشعر الأمان، مثلما يعمل حتى يتخلص من آلامه الجسدية، ويستعيد عافيته.

                               
                                                           
 فالقلق النفسي لا بد منه كي يستشعر الإنسان مخاطر المستقبل بما فيها المخاطر المعنوية، والمخاطر على أولاده، والمخاطر على مصيره في الدنيا والآخرة.
ولا بد من القلق كي يحث الإنسان على العمل، وبذل الجهد، والتخطيط للمستقبل دنيا وآخرة، من أجل نفسه، ومن أجل من يحب.


وإذا قام الإنسان بالقضاء على هذا القلق، بأن يخدر نفسه بالخمر، أو المخدرات، ماتت لديه الهمة، والدافعية كي يقوم بما ينفعه في المستقبل هو، ومن يحبهم في هذه الحياة... كما كانت المبالغة في الزهد، وترك معترك الحياة، كما يفعل زهاد الهنود الذين يسمون "الفقراء"، فيعتزلون الدنيا، ويعيشون في غابة، يكتفون بالقليل من الطعام والكساء، وذلك ليتخلصوا من قلقهم النفسي.


                                    


هذه المبالغة تقضي على الإنسان كخليفة في الأرض له دور يقوم به، وهي تفقد المجتمع بعض أفراده تماماً كما تفعل المخدرات، وإن كانت المخدرات أشد ضرراً.
فالفقير الهندي الذي اعتزل الدنيا لا يؤذي غيره، أما مدمن المخدرات فكثيراً ما يرتكب الجرائم كي يستطيع الاستمرار في إدمانه.


فسبحان الذي خلق الألم الجسدي، وخلق القلق النفسي، من أجل أن تكون حياتنا أفضل في هذه الدنيا، ولنتمكن من القيام بالدور العظيم الذي خلقنا من أجله كخلائف في الأرض.
أرجو ممن أعجبته مقالتي هذه أن يتكرم بنشرها وذلك بأن يعمل Share أو بأية وسيلة أخرى، لعل الله يثيبه ويثيبني وينتفع بها إخوة آخرون.
إقرئ المزيد Résuméabuiyad

الديمقراطية الأسلامية


                                                                      
                                               بقلم / الدكتور محمد كمال الشريف 

الديمقراطية الإسلامية 
 

مؤلف كتاب "الميزان: تجديد نظرية الإسلام السياسية"

الديمقراطية تعني "حكم الشعب بالشعب وللشعب"، أي الأمة هي وليّة أمر نفسها،


 أما رئيسها وباقي المسؤولين فهم موظفون عند الأمة لا يحق لهم أن يستبدوا 

بالقرارات الهامة، بل يرجعون إلى الأمة يستأمرونها، أي يطلبون أمرها، هل توافق 

على ما يقترحون فعله، أم لا توافق، كما يأخذون في اعتبارهم رأي الأمة المسمى 

فى  هذا العصر "الرأي العام"، فيعملون على الاستجابة له، أو على تبصير الأمة 

بخطئه إن كان خاطئاً.


                       


ورجوعهم إلى الأمة يكون إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. المباشر يكون 


عن طريق الاستفتاء الشعبي، حيث لكل فرد راشد صوت يدلي به مع المشروع 

المقدم أو ضده، وهذه الطريقة مكلفة في الجهد والمال، لذلك يتم اللجوء إليها في 

القضايا المصيرية وما في حكمها. أما الطريقة الثانية للرجوع إلى الأمة 

واستئمارها، فعن طريق طرح المشروع على مجلس منتخب من ممثلي الأمة، 

يجتمعون تحت قبة واحدة، جلسة أو جلسات عديدة، يتحاورون، ويدلي كل منهم 

برأيه، بصفته وكيلاً عن الأمة التي اختارته ليمثلها.. وبعد النقاش والجدال، تُطرح 

القضية للتصويت، فإن نالت موافقة أغلبية أعضاء البرلمان، تم إمضاؤها، وأصبحت

قراراً نافذاً، لم ينفرد باتخاذه لا الرئيس ولا غيره، بل اتخذته الأمة بنفسها ممثلة 

بنوّابها، وبهذا تكون الأمة حاكمة نفسها، وتتحقق الديمقراطية، وينتفي الاستبداد، 

فتكون القرارات أقرب للصواب ولتحقيق مصلحة الأمة أكثر بكثير، مما لو اتخذها 

رئيس مستبد برأيه، قد يدفعه هواه لما ليس في صالح الأمة.

                     




يمكن للديمقراطية أن تكون علمانية لا تستمد القوانين من الشريعة، لكنها أيضاً 

يمكن أن تكون إسلامية تقرر فيها الأمة تطبيق الشريعة على نفسها، أي هي تحكم 

نفسها بالشريعة التي أنزلها الله، وهذا يعني أن الديمقراطية ليست ضد الشرع، إنما 

هى   ضد الاستبداد والتفرد بالرأي وفرضه على الأمة، وما ينتج عن هذا الاستبداد 


من ظلم للكثيرين من أبناء الأمة، ومن استئثار فئة قليلة بخيرات الأمة وحرمان 

باقي الأمة منها.


أما الشورى التي هي من مبادىء الإسلام الأساسية، فإنها تختلف عن الديمقراطية، 


وليست بديلاً عنها، بل هي مكملة لها. الشورى هي استشارة الآخرين، وجمع 

أفكارهم وآرائهم، يستعين بها الإنسان على اتخاذ القرار الصائب في القضية التي 

يبحث فيها. هو يأخذ آراء الخبراء والحكماء والوجهاء، لكنه، وكما كان الحال في 

الخلافة الإسلامية، يبقى هو من يقرر، وهو من يختار من الآراء التي سمعها ما 

يريده. أي الشورى في الأصل ليست مُلزمة. أما إن جعلناها مُلزمة للرئيس، بحيث 

عليه تقرير ما أشارت به الأكثرية، ولا يحق له أن يخالف هذه الأكثرية، فإن 


الشورى المُلْزِمة هي الديمقراطية ذاتها.

                                 
 


على مدى القرون الطويلة، كان خليفة المسلمين هو ولي أمرهم، كما يكون الأب 

ولي أمر أولاده، أي هو صاحب الأمر والنهي، فإن استشار غيره كان مهتدياً بهدي 

الإسلام حتى لو لم يلتزم برأي الأكثرية، بل مال إلى رأي قال به واحد أو فئة قليلة، 

أو إلى أمر لم يُشِر به عليه أحد، فيقرره وعلى الأمة طاعته. لو كانت الشورى 

مُلزمة للحاكم لا يحق له أن يخالفها، فإنه حينها لا يكون ولي الأمر، فهو ليس 

صاحب الأمر، بل يشاركه فيه أهل الحل والعقد، أو زعماء الناس وحكماؤهم، أو 

جميع أفراد الأمة.


الديمقراطية هي أن تكون الأمة وليّة أمر نفسها، أي هي أمة راشدة، لم تعد قاصرة 


تحتاج لولي أمر يقرر لها، فقد بلغت سن الرشد، وتمارس حقها في اتخاذ القرارات 

الهامة بنفسها، وليس للرئيس إلا المشاركة في اتخاذ القرار باقتراحاته، ثم التنفيذ،



                     

وهذا سبب تسمية الرئيس والوزراء ومن يعمل معهم "السلطة التنفيذية". أما 

السلطة صاحبة الأمر والنهي، فهي الأمة يمثلها البرلمان، أو تشارك كلها من خلال 

الاستفتاء الشعبي. وبما أنه لا يُسَنّ قانون إلا من قبل البرلمان، لذا يسمى نواب 

الأمة المنتخبون "السلطة التشريعية". هي تشريعية لا بمعنى أنها لا تأخذ بشرع 

الله وتستغني عنه، بل بمعنى أنها تسن القوانين، التي من خلالها، يتم تطبيق 

الثابت من أحكام الشرع، وتجتهد هي بسَنّ القوانين فيما عفا الله عنه وسكت،

 رحمة بنا لا نسياناً، وبقيت متروكة لحكمتنا نحن المستخلفين في الأرض من قبل 

خالق الأرض والسماء.

                        


لا تقتصر الديمقراطية على مجرد حق الأمة في اختيار رئيسها كما اختار المسلمون 


الخلفاء الراشدين الأربعة، وخامسهم الذي جاء بعد حقبة، عمر بن عبد العزيز، فهم 

الذين تولوا أمر الأمة برضاها، فكانوا حكاماً شرعيين حقاً، لكن الديمقراطية تمتد 

فتشمل وجوب رجوع الرئيس المنتخب ومن معه من حكومة إلى الأمة في كل قضية 


هامة تأخذ أمرها، لا مجرد رأيها.


باختصار الديمقراطية هي "الشورى اللازمة المُلزمة"، هي الشورى الواجبة على 


الحاكم، والواجب عليه الأخذ لا مجرد الاستئناس بها. هي شورى مفروضة على 

الحكومة وليست مجرد تواضع منها، وهي مُلزمة لأن الأمة لا تعطي رأيها 

ومقترحاتها، بل تُصدر أوامرها وقراراتها. لذا علينا أن لا نتحسس من الديمقراطية، 

ظانّين أنها تناقض الإسلام ودخيلة عليه. ليس هنالك كلمة عربية أصيلة تترجم 

كلمة ديمقراطية الأجنبية، فقام الناس بتعريب الكلمة الأجنبية، وبقيت متنافرة لغوياً 

مع مصطلحات الشرع، وإن كانت في حقيقتها ليست إلا من مبادىء الشرع، فهي 

"الشورى اللازمة المُلزمة"، أليست الشورى من صميم ديننا الحنيف؟

والحمد لله رب العالمين
إقرئ المزيد Résuméabuiyad

علاقات زوجية

أخبار المشاهير

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أصدقاء الموقع