بقلم المحامى /محمد عباس
الأحتلال فى مصر
في زمن الرئيس السابق جمال عبد الناصر تنامى شعورا لدى أكثر المصريين بأن
الدولة المصرية تحررت من ربقة الاحتلال الأجنبي، وأنها في طريقها لنهضة شاملة
مبنية على استقلال القرار والاكتفاء الذاتي مما تحتاجه من سلع وخدمات.
إلا أن هذا الفكر لم يدم طويلا؛ ففي أواخر عهد الرئيس السادات تفتق ذهن المصريين
إلى أن الاحتلال الأجنبي للبلاد لم يعد عسكرياً كما كان فيما مضى بل تحول لاحتلال
اقتصادي عن طريق سيطرة الأجانب على عناصر الإنتاج المختلفة.
وفي زمن الرئيس مبارك وجد هذا الفكر ما يبتغيه؛ حيث إن الدولة أتاحت الفرصة
للأجانب للتواجد في مصر والاستثمار في مجال مليء بالفساد لا يساعد على نفع
الشعب المصري بقدر تحقيق فائدة للمستثمرين وبعض داعميهم من أبناء الوطن.
ومع تسليمي بأن شعور المصريين في العصور السابقة أصاب الحق من وجه إلا أنه
أخطأه من وجوه كثيرة لاسيما وأن الحقائق التاريخية والدلالات المعاصرة لها رأي
آخر .. يمكن إيجازه فيما يلي:
بدأ الاحتلال العسكري لبلادنا منذ الهكسوس بقصد توسعة رقعة الدولة من الناحية
الجغرافية، والسيطرة على موارد الدولة الضعيفة (اقصد: مصر) التي شاءت ظروفها
أن تكون محتلة. وهذه الحقيقة تضع الصورة أمامنا مجردة وهي: "احتلال عسكري
لقطعة أرض – سيطرة على الموارد".
وظل هذا الوضع فترة من الزمان، ولم تدلنا الموسوعات التاريخية على أن الدولة
المحتلة سعت في تغيير هوية وثقافة الدولة الأضعف بل العكس هو الصحيح. فقام
الاغريق والروم بنقل الفكر الفرعوني لاثينا وروما والأخذ عن الفراعنة تقدمهم في
فنون العمارة والزراعة وغيرها.

ولكن هذا الوضع تغير تماما بعد ظهور الإسلام، ودخول كثيرين فيه، وما ترتب على
نشر هذه الرسالة من زلزلة لأركان بعض الدول الكبيرة كبلاد الروم، وتقويض أركان
دول أخرى كالفرس.
فالجميع يعرف أن الغرب أرسل لنا جحافل جيوشه الصليبية لغزونا والاستيلاء على
مقدراتنا وثرواتنا.
لكن الأخطر من ذلك أن الجيوش الصليبية سبقتها جيوش من المستشرقين بهدف
تغريب العقلية الاسلامية، وانتزاعها من هويتها مع السيطرة على العقول والألباب
وتحويلهما لتابعين للغرب دون محاولة منهما للابتكار أو التجديد بل التقليد الأعمى
لكل ما تجيد به القريحة الغربية الصليبية.
ورغم خطورة الاحتلال الفكري الذي فرضه المحتل علينا عبر أفكاره المسمومة التي
روج لها في البلاد الا ان المهتمين بالشأن الوطني لم ينتبهوا لهذا الأمر أو يذكروه
للتحذير من ويلاته.
وللاسف .. هذا الوضع مستمر حتى الآن. وقل اذا شئت: انه مستمر لقيام الساعة.
وترتب عليه، وجود عدد ليس بالقليل من أبناء المصريين ينهلون من الغرب وعلومه
وأفكاره على أنها مسلمات علمية لا تقبل النقاش بغرض استبدالها بالتراث القديم
كله. كما نشأ جيل آخر يحاول إيجاد سند شرعي لثمرات الحضارة الغربية ولو لم
تحقق مقاصد الإسلام. كما وقف آخرون عند التراث دون تجديده على نحو يخدم
مصالح المحتل دون سواه. بينما كان لآخرين، توافر فيهم كمال الدين والورع،
مجهود عظيم في شأن تجديد التراث الإسلامي على نحو يتفق مع روح الإسلام
ومقاصده ونصوصه.
الأمر الذي ينبغي معه أن ندق ناقوس الخطر؛ فالخطر الحقيقي على التراث الإسلامي
ومقدرات المسلمين ومن في كنفهم من المسيحيين ليس من المحتل بقدر الخطر الذي
يصيبهم من أبناء وطنهم من المستغربين والجهلاء والعلماء ورجال الدين الذي
يؤثرون مصالحهم الدنيوية على مصالح البلاد والعباد.
ولن يقوى المحتل الأجنبي على توطيد أركان حكمه وهيمنته على مقدرات البلاد
والعباد الا اذا ضمن وجود هؤلاء الفاسدين الذين يحققون له رغباته ومصالحه،
وقدرتهم على صناعة القرار النافذ على البلاد والعباد.
وللاسف .. نجح هؤلاء في اعتلاء المنابر الإعلامية، والمناصب الدينية الإسلامية
والمسيحية، وكذلك تولي مقاعد الحكم. وحفاظا منهم على مصالحهم قام كل واحد
منهم بتعيين اتباع له لا يختلفون عنه، وله طاعة لا محدودة عليهم حتى تكونت
شبكات من الفساد. ولا خروج منها الا اذا التزمنا عدة امور، منها:
(1) الرجوع للعلماء المعروفين بكمال الدين والعلم وسؤالهم في كل أمر يعرض علينا – وذلك لقول الحق تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
(1) الرجوع للعلماء المعروفين بكمال الدين والعلم وسؤالهم في كل أمر يعرض علينا – وذلك لقول الحق تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
(2) عدم السماع لمن كان غالب كلامه الكذب والنفاق، وعدم نقل كلامه للآخرين لقول الحق تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾.
(3) تحري رضا الله في القول والعمل، وأن يكون العمل موافق للنية. أي لا نفاق ولا رياء ولا تملق.
(4) التفكر في خلق الله، ومحاسبة النفس.
(5) تعلم العلوم النافعة واتقانها مع ترك ما لاينفع او يفيد كالرقص وخلافه.
اخيرا وليس آخر .. لم أود من مقالي تذكرة الناس بالسياسة ولكن اود ان اذكركم ان
السياسات ما هي تطبيق لمدى تبعيتكم او استقلالكم، وأن اعداءكم غزوا عقولكم
وافئدتكم قبل ان يغزو بلادكم فأصبحنا كلنا أسرى لهم دون أن نعي ما يخططونه لنا.
تقسيم مصر – إن صح – يسبقه تقسيكم الى ملل ونحل .. كل فئة تريد ان تستقل
بذاتها ثم تقسم هذه الفئة لفئات أصغر. هذا هو الاحتلال الذي زرعت بذوره في
أراضينا وعقولنا منذ سنوات .. فهل أنتم منتبهون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق